الأحد، 29 أغسطس 2010

ان لم يكفكم الثواب لتخرجوا صدقاتكم فأخرجوها لأنها تكفيكم شرهم



قرأت مؤخرا في إحدى المدونات تعليقا يدور حول الأعمال الخيرية الموجهة للفقراء و سكان العشوائيات كان ملخصه :
"ان من يقوم بتلك الأعمال هو في الواقع يقوم بالدور المنوطة به الحكومة بدلا عنها , و بالتالي فهو يؤجل ثورة هؤلاء الفقراء على تلك الحكومة لاسترداد حقهم"

لا أشكك في أن المدونة تسعى الى الحق و مؤمنة بما تقول
لكنني في الوقت ذاته أرى هذا المنطق مجانب للصواب
هذا المنطق وضع افتراضين الأول هو ان هؤلاء الفقراء سكان المناطق العشوائية حين لا يجدون قوت يومهم سوف يدركون ان الحكومة هي السبب , و الثاني انهم حينئذ سوف يثورون على الحكومة بحكم انها سبب بؤسهم ...
ربما كانت هذه حقائق , و ربما تمنت هي ان يحدث ذلك ...

لكن نظرة واحدة للواقع تقول ان توقعها جانبه الصواب في كلا الإفتراضين
بخصوص الأول , فهؤلاء الفقراء اغلبهم على درجة منخفضة للغاية من التعليم , بل و الأقرب ان نقول انهم بدون تعليم من الأصل , و بالتالي فإننا حين نجزم بأنهم جميعا سوف يدركون ان الحكومة هي المسئول الأول عن فقرهم ... , يكون متفائلا للغاية

دعنا نفترض جدلا ان هؤلاء سيدركون ان الحكومة هي المسئول الأول عن معاناتهم ...
هل حقا سيجتمعون على قلب رجل واحد و في لسان واحد يقول للحكومة "نريد حياة كريمة يا من سلبتم حقوقنا" ؟
أم أن المزيج من الحقد على هؤلاء الذين يمتلكون بعض مظاهر الحياة و الطمع في هؤلاء الذين لا يملكون التغطية الأمنية الكافية سيدفعهم دفعا الى النهب المستمر ممن ينطبق عليهم هذان الشرطان , و هم , و ياللمصادفة , من تبقى من الطبقة الوسطى و أعلاها و أسفلها ؟

هؤلاء الفقراء ليسوا ملائكة, بل للأسف أغلبهم ناله الانحدار الأخلاقي الذي نال شعبنا بصورة كبيرة , و ربما بصورة أكبر بحكم البيئة القاسية التي عاشوها او يعيشونها ....
ان هذا (الشحط) الطول بعرض الذي يقتات على التنطع على أصحاب السيارات لمجرد الوقوف حيث يركنون سياراتهم و يصل به الأمر في أغلب الأحيان الى الشجار مع أصحاب السيارات و ربما تخريب سياراتهم في حال رفضهم الاستجابة لتنطعه ... هو من هؤلاء ...
و هذا (الشحط) الآخر الذي يسعى متسولا بين الناس مع وضوح قدرته على العمل هو الآخر من هؤلاء
و هذا الذي يستخدمونه في تقفيل لجان الانتخابات هو من هؤلاء , و هو نفس الشخص الذي يقبض وجبة ساخنة حيال صوته في الانتخابات
انهم ليسوا ملائكة ....
كنت مؤخرا اتحدث في نفس الشأن مع احد معارفي ( يعمل في مجال البناء ) و أخبرني ما أذهلني ...
لم يحدثني عما يفعله العمال من تسيب و محاولات التهرب من العمل مع قبض المعلوم في آخر اليوم كالمعتاد لأنه بالنسبة له شيئا عادياً ...
لقد أخبرني انه يعاني من قلة تواجد الأنفار و العمالة ....
لو ان هذا يعني شيئا فهو يعني ان اغلب هذه الفئات قد وصلوا لمرحلة عدم الرغبة في العمل , و الحياة على التسول و التنطع ( راجع معي السايس و المتسول ) ...
اعد نفسي من المؤمنين بعدم التصدق على محترفي التسول و عدم اعطاء قرش واحد لأي سايس , كان هذا في السابق لأنني كنت مؤمناً بأن هؤلاء سيضطرون للعمل حين لا يجدون مالا من التنطع و يبدو ان هذا تغير اليوم مع الغياب الأمني الذي نعيشه , انهم سيتجهون للنهب , و ليس للعمل , من لديه الاستعداد للعمل فقد ذهب ليعمل و انتهى امره , اما المتنطع فهو لا يريد ان يرهق نفسه...
لا أبغي ان اهاجم هؤلاء الناس او ان اكون طبقياً , لكنهم بشر وضعوا في ظروف قاسية جنحت بأغلبهم عما نعرفه بالشرف و الكرامة في مواجهة القرش ....
هل يظن احد ان هؤلاء و لو ادركوا ان الحكومة هي سبب تعاستهم سيهاجمونها حقا و يتركون فئة يرون في يديها بعض مما ليس في يديهم و في نفس الوقت هي فريسة أسهل بمراحل من الحكومة المغطاة أمنيا بإحكام ؟
لا أعتقد ....

ايها السادة , هؤلاء الناس - و هم ضحايا رغم كل شيء - ان لم يكفكم ثواب الصدقة و أوقفتم صدقاتكم و سائت أحوالهم اكثر - أو حتى لو قل ما يدخل لهم من الصدقات (و التسول و التنطع ) فإنهم بلا شك سيتجهون الى نهبنا طالما التواجد الأمني غائب ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق